كلمة السيد أنسطاسيوس رئيس أساقفة تيرانا وذيراخيو وكلّ ألبانيا

كلمة السيد أنسطاسيوس رئيس أساقفة تيرانا وذيراخيو وكلّ ألبانيا:
"طوبى لمن اخترته وقبلته يا ربّ".
"بحزن عميق والفخر بالربّ، نودّع اليوم أحد عظماء رؤساء الكهنة الأرثوذكسيّين، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، المستنير والكثير الحيويّة، السيّد إغناطيوس الرابع. أتيحت لي الفرصة أن أتعرّف إليه العام 1960، ارتبطنا روحيًّا العام 1961 ضمن إطار منظّمة الشباب العالميّ الأرثوذكسيّ سيندسموس، هنا بالقرب من بيروت. رغم أنّه كان يزيدني بتسع سنوات، فقد ترك عندي انطباعًا عميقًا، وإلهامًا بشخصيّته اللطيفة، وثقافته اللاهوتيّة الممتازة، ودماثة أخلاقه نحونا نحن الجيل الأصغر. عقدت لقاءات عدّة في مجلس الكنائس العالميّ، حيث مثّل الأرثوذكسيّة بطريقة جدّيّة وديناميكيّة ومقنعة.


كان من عرفه منّا يتذكّره بروحه النقديّة، وحكمته المميّزة وإمكاناته الإداريّة، وإشعاع حضوره. عاش في قلب العالم الإسلاميّ ورعى كنيسة أنطاكية في فترة اضطرابات تبلغ ذروتها في أيّامنا الحاضرة، وذلك برجاحة عقل مذهلة، ونفس ألهمها الروح القدس، وقوّة تصميم هادئة. بمبادراته الملهمة وإنجازاته التاريخيّة، ومن أهمّها جامعة البلمند، نقل بطريركيّة أنطاكية إلى انتعاش جديد. خدم الكنيسة بإيمان لا يتزعزع، تلهمه في خدمته تطويبات الربّ في الإنجيل، ببساطة عفويّة وبمحبّة جريئة ونقاوة قلب وعطش للحقيقة والعدل.
لم يكن اهتمامه محدّدًا بالشعب المختار من الأنطاكيّين، لكنّ عنايته توسّعت لتمتدّ بعامّة إلى الشهادة الأرثوذكسيّة في كلّ المسكونة، وإظهار الوجه المسيحيّ الحقيقيّ في الحوار بين الحضارات والأديان وفي توطيد السلام العالميّ. ثابتًا في الإيمان العميق بالتقليد الأرثوذكسيّ، كان بمقدوره أن ينفتح بلا خوف على العالم المعاصر وأن يفهمه، وأن يجاهد إلى تجلّيه بقوّة الصليب المنبعث من القيامة.
"الموت لمن عاشوا باستقامة هو انتقال إلى الأحسن وعبور إلى الأفضل وطريق إلى الأكاليل"، هكذا يذكّرنا باستمرار أبو أنطاكية، العظيم في الكنيسة، القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم. وهذا بالطبع ينطبق على أخينا بالربّ، المثلّث الرحمة البطريرك إغناطيوس.
سيبقى في التاريخ، ليس فقط في تاريخ بطريركيّة كنيسة أنطاكية، لكن في تاريخ الكنيسة الأرثوذكسيّة، مثالاً للقائد الروحيّ الذي سيلهم إلى الطريق، ويرشد كلّ الذين يحاولون أن يعيشوا بدقّة التقليد الأرثوذكسيّ، وبقوّته في العالم المعاصر الذي يتوق إلى المحبّة الأصيلة والجمال الروحيّ والإبداع الذي لا ينضب. فليكن ذكره مؤبّدًا".