اليوم الأحد الثالث والثلاثون بعد العنصرة.
تذكار نقل رفات أبينا الجليل في القدّيسين يوحنا الذهبي الفم إلى القسطنطينيّة.
لنستقبل الآتي الينا
بحضور صاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر بطريرك مدينة الله أنطاكية العظمى وسائر المشرق للروم الأرثوذكس وبرئاسة صاحبي السيادة الأسقف غطاس هزيم رئيس دير رقاد السيدة العذراء – البلمند وعميد معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي، والأسقف أفرام معلولي رئيس مكتب غبطة البطريرك، وقدس الأرشمندريتين ديمتريوس منصور ويعقوب الخوري، والأب بولس لحود، وخدمة جوقة المعهد القداس الإلهي الذي اُقيم في كنيسة الدير التي اكتظت بالمؤمنين، وفي القداس ألقى صاحب الغبطة عظة هذا نصها:"
باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين.
سمعنا اليوم في الإنجيل، يا أحبّة، أن هذا الشخص الأعمى عندما سمع أصوات الضجيج وسأل ما الذي يحدث أجابوه أن الرب يسوع يمر من هنا، صرخ للحال: "يا بن داوود ارحمني"، هذا يذكرنا اليوم أننا ما زلنا في هذه الفترة الخلاصية التي نعيد فيها للحدث الإلهي العظيم حدث التجسد عندما تجسد الرب يسوع المسيح، فقد مررنا منذ فترة بعيد الميلاد أولاً عندما ولد الرب يسوع من العذراء مريم كطفل في مغارة بيت لحم ومن ثم عيد رأس السنة فعيد الظهور الإلهي (الغطاس) عندما اعتمد الرب يسوع على يد يوحنا في نهر الأردن، وفي الثاني من شهر شباط سيأتي عيد دخول السيد إلى الهيكل. كل هذه الأحداث الخلاصية تذكرنا بمحبة الرب، تذكرنا بأمر واحد وأساسي يجب أن نتذكره اليوم بأن الرب أحبّنا وأحبَّ الإنسان وأتى إلينا، أمر مهم أن يكون كل واحد منا يفكر في داخله أن الرب يحبه ويحب العالم بأسره، حتى أنه أتى إلينا وتجسّد من العذراء مريم واقتبل كل ما اقتبل في حياته كإنسان من أجل خلاصنا.
لكل عيد وجهان: الأول تاريخي، أي أن العيد هو حدث تم في التاريخ، فالرب يسوع ولد قبل ألفي سنة تقريبًا في مغارة بيت لحم من فتاة عذراء اسمها مريم... الخ. أما الوجه الثاني فهو الأسراري، انه وجه النعمة، الوجه الخلاصي الذي يكمن في هذا الحدث التاريخي، هو الذي نحياه في الكنيسة وفي الإيمان وفي قلوبنا أن الرب قد أحبنا وأراد أن يخلصنا، فكشف عن محبته هذه عندما أتى إلينا ووُلد طفلاً من العذراء مريم من أجل خلاص نفوسنا. هنا النقطة المهمة عندما يحين دور الإنسان، الله أتى إلينا وأراد أن يخلصنا ولم يرد أن يبقى الإنسان في الموت وفي الخطيئة. لكن ماذا على الإنسان؟ لذلك نتذكر دوماً هذه الترتيلة التي نرتلها في أيام الميلاد المجيد التي تعبر كثيراً عن معنى العيد: "المسيح ولد فمجدوه، المسيح أتى من السموات فاستقبلوه..." علينا أن نستقبله، المسيح لم يأتي من السماوات حتى نصفق له ونراه كرجل خارق (superman) ثم نتركه يمر ونبقى نحن لنعيش حياتنا كما نريد، "المسيح أتى من السماوات فاستقبلوه" علينا أن نستقبل هذا الآتي إلينا، هنا يكمن دورنا الكبير "المسيح على الأرض فارتفعوا" هكذا نستقبل السيد بأن نرتفع عن خطايانا وعن حياة العالم الباطلة، "نرتفع" بهذا المعنى الروحي بأن نفتح قلوبنا ويصبح قلبَ كل واحد منا مغارة بيت لحم الذي يتكئ فيه السيد، وبالتالي يصبح قلب كل واحد منا هو الكرسي الذي يجلس عليه السيد ويحوي الواحدُ السيدَ ساكنًا وقابعًا فيه فيستنير ويتقدس، ويصبح من ناحية أخرى آلة وأداة شهادة، ونور وتقديس للعالم أجمع، للرب الذي يسكن فيه.
هذا ما علينا أن نتذكره اليوم وهو أننا نعيش هذه الأحداث الخلاصية الأعياد السيدية التي تخص السيد والسيدة العذراء والقديسين، وذلك كله كي نتذكر محبة الرب السيد الآتي إلينا، وأن نتذكره . لذلك سمعتم اليوم في الإنجيل صراخ المحتاج الذي قال: "يا بن داوود ارحمني" يطلب الرحمة، هل كل واحد منا يطلب الرحمة؟ هل كل واحد منا يريد أن يستقبل الآتي؟ أم نحن مشغولين في أمورٍ واهتمامات كثيرة في هذا العالم ونتلهى بها عن السيد. علينا ألا ننسى محبّة الله التي كشفها لنا عندما أتى إلينا، وبالتالي علينا أن نستقبل هذا الحبيب الطفل المولود في المغارة في قلوبنا، عندها يأتي السلام والفرح والطمأنينة إلى قلوب الناس، لذلك الإعلان الإلهي كان في ميلاد السيد: "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة" عندما نستقبل هذا السيد الآتي من أجل خلاص نفوسنا في قلوبنا تتطهر أذهاننا وتستنير قلوبنا، آنذاك نستنير ونحيا بحسب الوصية الإلهية عندها نتلَمَّس ونتذوق حلاوة العيش مع الطفل يسوع مع السيد له المجد فنفرح ونبتهج ويكون السلام فينا ويكون السلام في العالم أجمع.
نعيد اليوم للقديس يوحنا الذهبي الفم، فهو نموذج أن الكلام الذي نتكلم به ليس مجرد كلام، فأحيانًا يسألوننا: هذا الكلام الذي نسمعه في الإنجيل هل هو موجه لنا أم لغيرنا؟ هل هو كلام في الماضي ولايصلح الآن في الألفية الثالثة التي نحن نعيش فيها؟ المسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد ونحن بحاجة إليه. نعم هذا الكلام هو لنا تتغير الصياغة والأسلوب والطريقة ولكن الحقيقة هي واحدة وتتضح في قول الرب يسوع: "أنا هو الطريق والحق والحياة". اليوم، يذكرنا القديس يوحنا الذهبي الفم أنه كما أنه أحبَّ السيد علينا نحن أيضاً أن نحب السيد، لقد رتلنا منذ قليل مادحين القديس يوحنا الذهبي الفم وقائلين: "لقد انسكبت النعمة على شفتيك مثل النار فأنارت المسكونة ووضعت للعالم كنوز عدم حب الفضة وأظهرت لما سموَّ الاتضاع...".
نعم يا أحبّة، السيدُ هو إله المحبة فهو يحبنا وأتى إلينا، فتعالوا جميعًا نضع أيدينا ببعضها ونستقبل السيد فاتحين له قلوبنا، ليسكن فيها فنتقدس ويتقدس العالم أجمع. آمين.
البلمند 27-1-2013.