سيّدي، صاحبَ الغبطة يوحنّا العاشر، بطريركَ أنطاكيةَ وسائرِ المشرق، الكلّيَّ الطوبى والجزيلَ الاحترام
الإخوة أصحاب السيادة والحضور الكريم مع حفظ الألقاب والتسميات
يُشرِّفني أن أرحّبَ بكم، يا صاحبَ الغبطة مع صحبكم الكريم، في هذا الدير العريق الذي لطالما كان منارةً روحيّةً وعلميّةً على مرِّ السنين، وسيبقى مَشعلَ نورٍ للأجيالِ اللاحقة، يستمدُّ ضياءَهُ من خِبرةِ الأجدادِ الأبرار، ليضعَها في أيدي الأبناءِ كلمةً حيّةً تُبدِّدُ الظلمةَ وتُنيرُ الطريق.
نعرفُ ما لديرِ سيّدة البلمند مِنْ مكانةٍ في قلبِكُم، يا صاحبَ الغبطة. وأنتم مَنْ تتلمذتُم وخدمتُم فيه ورئستموه. هذا الديرُ الرابضُ على هذه التلّةِ المتلألئةِ بسيّدتِها، والصابيةِ الى أفقٍ لا يَحُدُّه حَدّ، فَمَداها هو المدى الأنطاكيُّ الذي فيه تُقَدَّمُ للعالمِ كلِّه أُرثوذكسيّةٌ مميَّزة، أرثوذكسيّةٌ مشرقيّةٌ اختبرتِ الألَمَ والصليب، ولكنّها لم تكنْ يومًا إلاّ قياميّة.
لقد افتَقَدَنا الله، في هذه الأيّامِ الصعبةِ، بِراعٍ صالحٍ محبٍّ للمسيح، مُتَّكئٍ على صدرِ ربِّهِ، كشفيعِهِ، يَغْرِفُ من دِفئِهِ وسلامِهِ ليأخذَنا إلى حياةٍ جديدةٍ وزمنٍ جديد.
في البلمندِ اليومَ عُرْسٌ، تَقاطرَ إليه أبناءُ الكورةِ والشَّمال، المتجذّرونَ بإيمانِهم والفخورون بأُرثوذُكسيَّتِهِم. قَدِموا مُرَحِّبينَ بفرحٍ وهاتفينَ بابتهاج: "مباركٌ الآتي باسمِ الربّ". يا صاحبَ الغبطة، إنّ هذا الشعبَ المؤمنَ أتى وقلبُهُ معتمِرٌ محبَّةً وكلُّهُ رجاءٌ بكم.
إنّ الشعارَ الذي طرحتموه، يا صاحبَ الغبطة، لبَطرِيَرْكِيَّتِكُم: "بالنعمةِ ننمو، وبالخدمةِ نسمو، وبالمحبّةِ يتناسقُ البنيان"، لَهُوَ خريطةُ طريقٍ لنا جميعًا، وبه نسترشدُ ونعملُ لتحقيقِهِ كي نرفعَ شأنَ كنيستِنا الأنطاكيّةِ لتكونَ عروسًا بهيّةً جميلةً لربِّها. فمِن هنا يَبْرُزُ دورُ معهدِنا اللاهوتي، الذي هو قِبْلَةُ أنطاكيةَ وأملُها في تجسيدِ رسالةِ الكنيسةِ الأنطاكيّة، بتهيئةِ إكليروس يحمِلُونَ الكنيسةَ الأنطاكيّةَ، في الوطن وبلاد الانتشار، في قلبِهم، والأرثوذُكسيّةَ في هاجِسِهِم، والعالَمَ في محبّتِهِم. فَهُمْ مركزُ اللقاءِ والبشارةِ إذا ما تجسّدتِ الكنيسةُ في حياتِهِم، وهم صورةُ المسيحِ في مجتمعٍ متعدِّدِ الأديانِ والأعراق. وعلى قَدْرِ دماثَتِهِم وعِلمِهِم القائمِ على التواضع، فإنّهم يُزيلونَ كلَّ عائقٍ يُشكِّلُ حجرَ عثرةٍ في دربِ الآخر.
إنّ الثانويةَ والمعهدَ والجامعةَ تُشَكِّلُ سمفونيةً تُطربُ نغمتُها كلَّ من استهوتْهُ الأصالَةُ هوىً والمعرفةُ المعمَّدةُ غايةً. فنطلبُ صلاتَكُم من أجلنا كي نحملَ جِدَّةَ الروحِ وحيويّتَهُ سنةً بعدَ سنة.
البلمند الذي هو قلبُ أنطاكية، على ما قلتُم، هو اليوم بطاعتِكُم، لأنّه للكنيسة، وأنتم رمزُ الكنيسةِ التي نلتفُّ حولَها رعاةً وأبناء، فنسيرُ بتوجيهاتِكُم وبركتِكُم التي منها نستمدُّ الهِمَّةَ والعزيمة، ليعلوَ البنيانُ بمحبّةٍ وتناسق.
صاحبَ الغبطة، أنتم أبٌ لهذه العائلةِ البلمنديّة، لا بل أنتم أبٌ لكلِّ هذه المنطقة الأصيلة. فيوم الأحد الفائت نُصِّبْتُم على عرش أنطاكية، وفي جلوسكم عليه تذكِّرونَنا بالعرشِ في سفرِ الرؤيا، حيث الكنيسةُ بكلِّ أبنائِها تلتفُّ حول المقدِّمِ والمقدَّم، فيتماهى الكلُّ به ليكونَ هو الكلَّ للكلّ. لذلك أرجو أن تقبلوا هذا الكرسيَّ هديّتَنا المتواضعة، بمناسبة هذه الزيارة المبارَكَة.
أخيرًا، يا صاحبَ الغبطة، اسمحوا لي أن أشكرَ كلَّ الذين حَضَروا ومن أيّةِ جهةٍ أتَوا، وأن ألتمس صلواتِكُم الأبويّةَ التي نحنُ بأمسِّ الحاجةِ إليها.
فامدُدوا يدَكَم المبارَكة وباركوا أيّها السيّد القدّيس.
أطالَ اللهُ بعمرِكُم، وإلى أعوامٍ عديدةٍ، يا سيّد.
دير البلمند في 12/2/2013.
الأسقف غطاس هزيم
رئيس دير سيّدة البلمند البطريركيّ