البلمند 16/5/2013
ببركة صاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر ترأس صاحب السيادة الأسقف غطاس هزيم رئيس دير سيدة البلمند البطريركي وعميد معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي صلاة الابتهال الشريف لوالدة الإله العذراء "البراكليسي" التي أقيمت في الدير من أجل اطلاق سراح صاحبي السيادة بولس اليازجي متروبوليت حلب والأسكندرون وتوابعهما للروم الأرثوذكس ويوحنا ابراهيم مطران حلب للسريان الأرثوذكس، شارك في هذه الصلاة الابتهالية صاحب السيادة الأسقف أفرام معلولي وعدد من الكهنة من الدير وأبرشية طرابلس والكورة وتوابعهما للروم الأرثوذكس وجمع غفير من الشعب المؤمن، وخدم الصلاة جوقتي أبرشية طرابلس ومعهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي.
وفي النهاية ألقى صاحب السيادة الأسقف غطاس هزم رئيس الدير الكلمة التالية:
"المسيح قام... حقًا قام
بداية أنقل اليكم ياأحباء بركة غبطة مولانا البطريرك يوحنا العاشر، الذي يشاركنا صلاتنا اليوم بمحبته التي بها يحمل كل أبناء هذا الشرق بهمومهم وآلامهم وتطلعاتهم. وبدورنا نسأل الله حفظه وإعطائه الصبر والقوة.
ياأحباء،
لازلنا نحيا حدث القيامة الذي يمس كلَ واحد منّا في الصميم. إنه انعطاف الله على طبيعتنا المثقلة بالخطيئة ليعيد لها تلألئها مدحرجاً عنها كل مايَحجُب صورةَ الله وأشراقَها فينا.
القيامة هي إعادة ترتيب أولوياتِنا، والتأملُ في ماوصلنا اليه من جراء انجرافنا وراء الخطيئة التي زجت بنا في أتون الصراعات على الأنا لامتلاك هذا الدهر الذي صيّرنا عبيداً له وسلبنا حريتنا تحت شعارات منمقة.
القيامة هي الجدة في حياتنا، التي بدورنا نقدمها الى الآخر، فكيف تكون القيامة قيامة والعنف بكل أشكاله ( قوةً وكلامًا وقانونًا و...) هو السيد، فبدل أن نقدم للآخر حياة وفرحا وأملاً نقدم له قتلآً وسلبا وخطفا وتعاسة وإحباطاً، متناسين قول السيد "كل مافعلتموه باخوتي هؤلاء فبي فعلتم". كيف تكون القيامة قيامة والكرامات تنتهك والسجون تكتظ والفقر يزداد.أين هي حقوق الانسان في العيش بكرامة.
ماأحوجنا اليوم الى القيامة وهي عبور شخصي من العبودية بكل أشكالها الحضارية اليوم الى الحرية، والحرية التزام ومحبة واحترام. القيامة هي التمرد على الموت فينا وتفجيرُ قوةِ الحياة التي هي المحبة. عيدنا اليوم يقول خلاف منطق العالم إن القوة هي للمحبة والسلام والود والإخاء. وهذه ما تجعل الحياة جديدة وفرحة، لا بل حياة.
القيامةعيد رجاء، عيد أمل" لأننا نتطلّع إلى وجه يتجاوز وجه الموت. بشعٌ وجه الموت. وعندئذ نرى الوجه اللامع الذي يعكس لا وجه إنسان مهما صَلُحْ ولكن يَعكسُ الوجه الإلهي الذي عنده الرحمةَ فوق كل شريعة وفوق كل قانون. وإننا في هذا الظرف الذي نحن فيه قلوبُنا تمتلئ رجاءً وتتعلق به، ننظر إلى الحياة الأبدية التي تجلَّت فعلاً وواقعاً في قيامة ربنا يسوع المسيح الذي سنقوم به.
"النُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ" (يو 1: 5)، "أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ" (مت 5: 14)، لذلك نحن في العالم ولكن لسنا من العالم. صوتُ العالمِ هو الأنانيّةُ والانتقامُ والقتلُ، أمّا صوتُنا فهو الانفتاحُ على الآخر والمحبَّةُ والمسامحة.
نحن قوم قياميون لانرزح تحت وطأة إحباط أو يأس، فالألم والاحباط واليأس حطّمت على الجلجلة تحت قدمي المخلص الذي بالصليب أعطانا الفرح والرجاء.
نحن قوم فكرَنا ليس من فكرِ هذا العالم، وسلوكَنا ليس كسلوكِهِ. هذا ليس ضعفًا وليس هروبًا من العالم، ولكنه مواجهةٌ، وثورةٌ بالمعنى الحقيقي للكلمة، أي قوّةُ تغيير. وحدَها قُوَّةُ المحبّة ولهبُ القدّيسين يحرقُ الخطيئةَ ويُبدِّدُ الظلمة، وحدَهُ الحقُّ يُخيفُ ويُغيّر. وحدّهُ وديعُ القلبِ والصامتُ في الكلامِ والكثيرُ الفعلِ يستطيعُ أن يُغيّر.
لقد التزم الرب يسوع قضايا شعبه: فقرهم، الظلم الواقع عليهم، عدم العدالة، التسلط، القتل، الزنى... فعندما أرادوا رجم الزانية، قال: من منكم بلا خطيئة فليرجمها. وفي محاكمته ذكّر بيلاطس عندما قال أن له سلطان أجابه: تذكر أن سلطانك مأخوذ من الله، أي السلطان لله. وعندما تكلم عن الحق وأنه حامل الحق، أجابه: ما هو الحق؟. فإذا لم تنصف الفقير والغريب والأرملة اليتيم والسجين والأسير والبريء، فأنت لا تعرف الحق، الذي هو الله. نعم بيلاطس وكما اليوم يحكم بالحق بقتل بريء كما فعل مع قيافا بقتل المسيح، البريء. إنه حق القوة.
نحن قوم يؤمن بالسلام واللقاء والحوار الذي هو محاولة اكتشاف الجمال وبذور الذهب التي زرعها الله في كل الثقافات وفي كل الأديان، إنه إرادة المشاركة بالمصير الواحد وبالإنسانية الواحدة، إنه بكل بساطة الإقلاع النهائي عن لغة القوة، عن لغة "أقتل نفسي حتى أقتلك" أو "أقتلك حتى تتمدن رغماً عنك". إن الإجماع على العيش معاَ والاقتناع بأن الاختلافات هي مصدر غنى، إنه الإيمان بأن الحقيقة لا يمكنها أبداً أن تكون ملكاً حصرياً، رغم أننا أمناء غير مستحقين عليها. الحوار يعني الحياة، وهي عطية من الله وبالتالي لا يمكننا التصرف بها.
أيها الأحباء،
نجتمع اليوم كي ينظر كل منّا إلى الآخر بدون كراهية ويلقاه بلا جفاء ويعلن أنه بدون محبة الإنسان للإنسان لن يكون سلام، وإن كنا ذكرنا العدل ذلك لأن الكثرة تفتقر إلى الحد الأدنى من العيش الهنيء، فإن بقيت الحال كما هي فكيف يكون هناك سلام؟
وفي الشرق الأوسط بصورة خاصة لا يحظون دائماً بحقهم في الاعتبار والكرامة والتقدير والعيش الكريم وما أكثر أمثال هؤلاء على وجه أرضنا.
أخيراً أشدد على القول أننا نرفض الظلم والعنف والقتل والإهانة وانتهاك الحرمات والرموز الدينية وسلب حرية الناس واختطافهم أيّاً كانوا ولأي فئة أو دين أنتموا، فكرامة الناس عطية من الله وحكم منه وله وليس لأحد الحق في سلبه إياها.
وهنا أسأل الله أن يقبل هذه الصلاة التي رفعناها اليوم كي يلهم خاطفي أخوينا المطرانين بولس ويوحنا وكل من هم كحالتهم أن يطلقوا سراحهم باسم الله الذي كلنا منه واليه وكرامة المؤمنين لاينزعها إلاّ هو. أيضا نسألل الله أن يجعل آلامهما مآال فرحٍ وقيامةٍ.
وأختم بالقول: "إننا نحن الذين نقدم حساباً عن الرجاء الذي فينا" (1بط 15:3)، لا يمكننا إلاّ أن نؤكد القيامة وأن الكلمة الأخيرة ليست بعدئذ للموت، بل للحياة وللمحبة."