2014-05-21
عقد صاحب الغبطة يوحنا العاشر بطريرك أنطاكية وسائر المشرق في معهد القدّيس يوحنا الدمشقي في البلمند مؤتمرًا صحافيًا بمناسبة إطلاق المؤتمر الأنطاكي في البلمند بعنوان "الوحدة الأنطاكيّة: أبعادها ومستلزماتها"
وكانت الكلمة التالية التي ألقاها صاحب الغبطة:
المؤتمر الصحفي لصاحب الغبطة البطريرك يوحنّا العاشر
بمناسبة اطلاق مؤتمر "الوحدة الأنطاكيّة: أبعادها ومستلزماتها"
26 - 28 حزيران 2014
أيّها الأعزاء،
أشكركم على وجودكم معنا اليوم على هذه التلّة البلمندية المباركة التي نسعى أن نجعل منها تلّة إشعاع روحيّ وعلميّ وإنسانيٍّ ووطنيّ، نطلق منها كلّ المساعي الخيّرة لخدمة إنسان هذه الديار. فنحن نشعر مثلكم كم أوطاننا هي بحاجة إلى تراصّ أبنائها ليتغلّبوا على كل المحن التي تواجههم.
إننا نطلق اليوم مؤتمرنا الكنسي العام ألا وهو المؤتمر الأنطاكيّ الذي سينعقد هنا في دير سيدة البلمند مابين 26-28 حزيران والذي ندعو إليه نظرًا لحاجة أبنائنا ليس فقط ليعبروا عن وحدتهم الإيمانيّة إنما ليعبّروا أيضًا عن اهتمامهم بأوضاع أوطانهم وعن استعدادهم للعب دور أساسيّ ومفصليّ في تحضير مستقبلها، أكانوا مقيمين في الوطن أو في بلاد الإنتشار. فبالنسبة لنا كنيستنا الموجودة في كل بلدان المنطقة العربيّة مسؤولة، مع سائر أبناء هذه الديار عن العيش الكريم لأبنائها وأيضًا عن حسن سير الحياة العامة.
يتطلّع هذا المؤتمر إلى دراسة بعض القضايا التي تتصدر أهمّ المجالات التي من شأنها إبراز معالم الوحدة الأنطاكيّة. مع طاقات التواصل الحديثة، وسرعة الانتقال من مكان إلى آخر، وتطوّر الأوضاع الكنسيّة من جهة، والمعطيات الديموغرافيّة من جهة أخرى، يحتاج شعبنا إلى أن يشعر بمضامين هذه الوحدة في حياته، كنسيّة كانت أم عامّة، وأن يكون فاعلاً ومتفاعلاً معها. يبدو جليًّا لكلّ من يتابع الأوضاع الرعائيّة عند المؤمنين، أن الكنيسة، في كل مكوّناتها، مدعوّة أن تذهب بماهيّة الفكر المستقيم الرأي ومستلزماته إلى أبعد من الطروحات النظريّة التي نُجْمِع عليها، وأن تلج إلى ما هو عمليّ من خلال مشاريع مدعوّة أن تنفذ في الأبرشيّات بروح الوحدة، وعلى صعيد البطريركيّة بروح التكامل.
من خلال محاور بحث واضحة الغايات، سيسعى المؤتمر أن يكون خطوة أولى في بلورة أفكار جامعة، تأخذ شكل سياسات، وورشات عمل ومشاريع، تُرْفع إلى المجمع المقدّس علها تساعد في تكوين خريطة طريق، تبنى مدماكاً بعد مدماك، لما يمكن أن تكون عليه معالم وحدة أنطاكيّة جليّة تعاش على كلّ مستويات حياة الكنيسة الداخليّة وشهادتِها في العالم.
سيلتئم في هذا المؤتمر مجموعة واسعة من المؤمنين يأتون من كلّ الأبرشيات في الوطن وبلاد الانتشار. بالطبع كل أبرشية تنتدب ممثليها. وستكون محاور المؤتمر قائمة على المواضيع التالية:
١ - تعزيز التكامل بين الرعايا في الأبرشيّات وكذلك بين الأبرشيات على مستوى الكرسي
إن الأنظمة الأنطاكيّة تعبر عن لاهوت الكنيسة، وهي تهدف لعيش مبدأ الجماعيّة في الكنيسة. يهدف هذا المحور إلى البحث في سبل تطوير عمليّة التشاور على أصعدة الرعيّة، والأبرشيّة، والكرسيّ. كما أن التغيير الحاصل في جغرافية الانتشار الأرثوذكسيّ يفرض علينا ضرورة تمتين علاقات أبرشيّات الانتشار بأبرشيّات المدى الأنطاكيّ التاريخيّ.
ستؤول أعمال هذا المحور إلى اقتراح آليات وأنشطة وسبل تواصل تعطي الوحدة الأنطاكيّة بُعْدًا معيوشًا عبر اعتماد مناسبات يعبّر فيها المؤمنون عن وحدتهم ولحمتهم التي تنعكس على حياتهم في الكنيسة وفي العالم.
٢ - تنمية الأوقاف والتعاضد الماليّ
تزداد اليوم المستلزمات الرعائيّة، ما يجعل من تنمية المؤسّسات الكنسيّة، وتطوير خدماتنا التربويّة، وتفعيل عملنا الاجتماعي ضرورات ملحّة. ولا يقلّ عن هذه أهميّة تنظيم معيشة الخدّام وصيانة حضورنا المسيحي في الشرق، ودعم الأبحاث والخطوات التي تقويّ حضورنا المجتمعي احترامًا منّا لتاريخنا وتراثنا.
سيسعى هذا المحور إلى دراسة التصورات العملانيّة التي تجعل التنظيم المالي داعمًا للعمل الرعائيّ، والتي تطرح بعض المشاريع التنمويّة، أو التي تسهّل عمليّة قيام مشاريع تنمويّة لخدمة المؤسّسات، وتطوير العمل الرعائيّ والاجتماعيّ، والتربويّ، والصحي في الأبرشيّات وعلى الصعيد البطريركيّ.
٣ - العمل الاجتماعيّ
يشكّل العمل الاجتماعيّ أحد أسس الشهادة المسيحيّة في المجتمع. لكن التطورات المجتمعيّة، إضافة إلى الانتقال السكّاني، والهجرة، وتراجع الأوضاع الاقتصاديّة، تحتّم اليوم اعتماد أسس عمل جديدة تتضافر فيها الجهود وتتكامل على كلّ الأصعدة: الطبيّة، والصحيّة، والاجتماعيّة، والإغاثة، والطوارئ.
سيقارب هذا المحور البُعْد الاجتماعيّ كمكوّنة أساسيّة في حياة الرعايا، مع السعي لطرح مشاريع لها طابع محلّيّ أو تسمح بتقوية الفكر التعاضديّ على صعيد العلاقة بين الأبرشيّات ودور البطريركيّة في تنسيق هذا العمل. إن البُعْد التنظيميّ الذي يسمح للبطريركيّة وللأبرشيّات بالتفاعل السريع مع المستجدّات التي تطرأ على حياة الكنيسة وشعبها، لهو من الأمور الهامة جداً خاصةً في أيامنا.
4 - الحضور المجتمعيّ
تعيش منطقتنا اليوم زمنًا تتلازم فيه السياسة مع المعطى الدينيّ بشكل ينعكس سلبًا على الطوائف والمؤمنين. لذلك، ترى الكنيسة نفسها مضطرّة لتقول كلمة حقّ في مجالات تَشَوَّهت فيها صورة الإنسانية والدين والمسيحية أحياناً. إذ يُسْتغلّ نعتُ "المسيحيّة" أو "الأرثوذكسيّة" لأغراض شخصيّة، أو لأهداف لا تمت إلى الرسالة المسيحيّة بصلة.
إن "نوعيّة" الحضور المجتمعيّ الذي نطمح إليه لهو نقطة ارتكاز أساسية بالنسبة إلينا. علينا تدارس بعض الأفكار التي من شأنها أن تكون منطلقًا لآليات تشاوريّة تجعل من حضورنا في حياة المجتمع حضورًا ملموسًا وأكثر فعاليةً، علمًا أن هذا الأمر لا يتوقّف على المدى الأنطاكيّ الجغرافيّ بل يطول أيضًا الأبرشيات الأخرى في بلاد الانتشار
5 - التواصل
يشكّل التواصل بأنواعه المختلفة، الصوتيّ، والمرئي، والمكتوب، والتواصليّ، حجر زاوية في نقل المعلومة وفي التفاعل معها. لم يعد التواصل حكرًا على الإعلام كمجرّد تقانة لنقل خبر، أو موقف، أو واقع احتفاليّ. بات من الضروري النظر إلى المرحلة الجديدة بأسلوب لم تعتده كنيستنا حتى اليوم. إلى جانب ذلك، وبسبب الفرصة المتاحة أمام الجميع للوصول سريعًا إلى أيّة مادة نُشِرَت إعلاميًّا، يُعتبر موضوع التواصل وسيلةً هامّةً للوحدة الأنطاكيّة. مبادرتنا على هذا الصعيد تحمي الكنيسة من أن تكون رهينة إعلام الغير، كما تمكنها من المبادرة وإظهار خصوصيتها.
إن دراسة السياسة التواصليّة - الإعلاميّة على مستوى الكرسيّ وطريقة التعاطي معه كأحد أوجه الوحدة الأنطاكيّة والتوعية على التراص الكنسيّ لهو أمر بالغ الأهمية. ويجب الوصول إلى الآليات العملانيّة التي يمكن أن تعتمد تدريجيًا والتي يمكن أن تعبر عن الوحدة الأنطاكيّة، ومساهمة كافة الأبرشيّات بإبرازها، والسبل التقنيّة التي يمكن اقتناؤها لتفعيل الحضور الأنطاكيّ داخليًا ومجتمعيًا.
أخيرًا وليس آخرًا، ستتوّج أعمال المؤتمر بخدمة الذبيحة الإلهيّة يوم الأحد الواقع فيه 29 حزيران القادم لرفع الشكر لله على عطاياه وعلى عمل روحه القدّوس فينا. وإني أدعو كلّ المؤمنين للمشاركة بحضورهم معنا، في هذا اليوم الذي هو أيضًا عيد القديسين بطرس وبولس مؤسّسيّ كرسينا الرسوليّ. سيكون هذا الاشتراك في الصلاة تعبيرًا عن عمق وحدتنا بالرب.
أيها الأعزّاء،
كما تلاحظون، وحتى لو أن مؤتمرنا يركّز على الوحدة الأنطاكيّة لكنّه عمليًا ينظر إلى هذه الوحدة كعنوان خدمة للمجتمع أيضًا. فنحن لا ننظر إلى الكنيسة إلاّ كفاعلة في عالم أحبّه الله وتألّم وقام من أجل خلاصه. نحن ككنيسة مشرقيّة، وهي الأكبر عددًا من حيث التعداد البشريّ في مشرقنا والأكثر انتشارًا من حيث البعد الجغرافيّ، نعي تمامًا أهميّة المهمّة الملقاة على عاتقنا في هذه الظروف المصيريّة التي تمر بها المنطقة. تألّم جسد كنيستنا الأنطاكيّة، ولا يزال، في لبنان وسوريا والعراق. وإنساننا العربيّ مقهور ومشرّد في فلسطين. أخوة لنا كثيرون ماتوا، أو شرّدوا، أو اختطفوا ولا ننسى أخوينا مطراني حلب يوحنا وبولس بشكل خاص. كذلك هي الحال لكثير من إخواننا في المواطنة. نحن إذ نؤكد على وحدتنا، نطمح لكي نقوم بالدور الواجب علينا فنمسح الدمع عن الوجوه، دون أي تمييز بين أطياف وأبناء مجتمعاتنا، مسلمين ومسيحيين، ونعزّي الحزانى، ونفتقد الفقير والمريض. وإننا نؤكد للعالم بأن رسالتنا هي للجميع، بالكلام وبالعمل، كي يتوقّف العنف، وتعلو لغة السلام.