وسط كلّ ما يجري في منطقة الشرق الأوسط من خراب وفي خضم الأحداث الأخيرة التي تنال من المسيحيين ومن غيرهم تهجيراً وقتلاً، ووسط أحداث سوريا واستباحة غزة، تطالعنا بعض الأوساط الرسمية الناطقة باسم بعض حكومات الغرب من فترة لأخرى بتصريحات و"دراسات" هنا وهناك، لتتباكى وتتضامن مع مسيحيي هذه الرقعة أو تلك، وتصف أوضاعهم بشكل يشجّع على ترسيخ المنطق الأقلّويّ.
لكن جديد هذه التصريحات هو ما أتى مؤخراً بشأن استعداد الحكومة الفرنسية لاستقبال المسيحيين العراقيين ومنحهم اللجوء السياسي، ودراسة صادرة عن وزارة الخارجيّة الأميركيّة تصف حضور المسيحيين في الشرق الأوسط على أنّه "ظلّ ما كان عليه سابقًا".
يهمّنا في بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس أن نؤكّد أن الأوضاع القاسية في الشرق لا تبرر أن يتّخذ البعض من الظرف القائم "حصان طرواده"، لإفراغ الشرق من مسيحييه ولتصوير ما يتعرّض له المسيحيين في المشرق كمشابه لما يحدث في أماكن أخرى من العالم للأقلّيات الدينيّة أو العرقيّة.
نحن نعتقد أن مساعدة المشرقيين، ومنهم المسيحيون والمسلمون، تكون أولاً بقطع دابر الإرهاب في ديارهم الأم وبالكف عن تغذية حركات التطرّف والتكفير التي يعرف الجميع مصادر تمويلها والدول والحكومات التي تقدم لها الدعم المعنوي واللوجستي والعسكري ومن خلال تحالفات دوليّة غير مُعْلنة.
إن خير وسيلة لمساعدة مسيحيي المشرق ومسلميه تكون بالدفع نحو إحلال السلام فيه وذلك بالحوار والحلول السياسية، والرفض العمليّ لكلّ ما يغذّي أسباب وجود هذا التطرّف، وربما يكون من أهمّها الظلم اللاحق بالشعب الفلسطينيّ، وباعتماد إعلام منصف يظهر دور المسيحيين الفاعل في حياة أوطانهم بعيدًا عن كل تعداد بشريّ.
نقولها للجميع، إن الحاضنة الوحيدة لمسيحيي هذه الديار ولمسلميها هي أرضهم وأوطانهم التي عاشوا فيها جنباً إلى جنب منذ قرون، وصنعوا فيها حضارة تميّزت بالشراكة الحقيقيّة ونقلت إلى العالم الغربي التراث الإنساني وزادت عليه.
وإننا، نحن مسيحيي هذه الديار، لن نقبل أن يُفّرض علينا من الخارج المنطق الأقلّويّ، ونؤكد من جديد أننا كنّا وسنبقى مؤتمنين على رسالة إنجيلنا التي حملها إلينا أجدادنا منذ ألفيّ عام، وهؤلاء الأجداد أوصلوها لنا محتملين ضيقاتٍ عدة، والبذرة التي سُلمت لنا في المشرق سنحفظها فيه وننمّيها ونبقى أوفياء لها.