تراس رئيس دير سيدة البلمند الاسقف غطاس هزيم الصلاة لمناسبة افتتاح العام الدراسي في معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي في البلمند بمشاركة رئيس المعهد الاب بورفيريوس جرجي ولفيف من الكهنة والشمامسة في حضور افراد الهيئتين الادارية والتعليمية والطلاب.
وبعد رش المياه المقدسة وتبريك الطلاب القى رئيس المعهد جرجي كلمة نقل فيها بركة غبطة بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للروم الارثوذكس يوحنا العاشر اليازجي وادعيته من الدار البطريركية في دمشق. وقال" قريبا ان شاء الله يوافينا ويلقاكم كعادته في المعهد".
واشار الى ان" هذا المكان المقدس تسلمناه من آبائنا وأجدادنا الذين جاهدوا بجلادة وحكمة وطول أناة وإيمان راسخ ليصونوا وديعة الإنجيل والفكر الكنسي القويم بشفافية بلورية لا دنس فيها ولا غضن. آباؤنا أتقنوا علوم عصرهم وأحسنوا ترويضها".
واضاف" هم شقوا لنا الطريق لنتابع المسيرة بأمانة وحرص وبروح الإبداع والفكر الخلاق. وقد أسس آباؤنا مدارس العلم واللاهوت، والتفسير الكتابي، ومشاغل تدوين الإيقونات، وصوغ العقائد الإلهية، ونظم التسبيح الكنسي بحروف من نور. ونحن نأتي اليوم بشوق إلى هذا المكان المقدس، لنتسلم ميراثًا عريقًا من الفكر والفن والجمال والخدمة المُحبة، في معهد كنيستنا الأنطاكية وفي جامعة الكنيسة ودارها وفي رحاب دير السيدة الذي يظللنا جميعًا".
وتابع" ما برحت المقاربة الأكاديمية للاهوت، والتي تأسست في المدارس الكبرى في تاريخ المسيحيّة في أنطاكية وروما وقيصرية فلسطين والإسكندرية وفي الحواضر السريانية على مدى المشرق الأنطاكي، وعلى أيدي معلمين كبار، تُلهم منطلقات التعليم اللاهوتي في معهدناوتغنيها. فلطالما شددت مدرستنا الأنطاكية العريقة على محورية سر التجسد الإلهي، وعلى أفعال الله واستعلاناته في التاريخ، وعلى المقاربة النصية التاريخية للوحي الإلهي".
واكد بالقول" نسعى في المعهد إلى أن نقدم للطالب دراسة جامعية تشمل سائر ميادين العلوم اللاهوتّة – قديمِها وحديثِها - بحيث يتمكن من تنمية وعيه لجذور التراث ومنابع التقليد الأولى، واستقراء آليّات الصيرورة التاريخية للصيغ الفكرية والنصوص المرجعية في اللاهوت، والإجابةِ على مساءلات الحداثة ومواجهة تحدياتها. ويعمل المعهد على تمكين الطالب من الولوج في مخاض البحث العلمي والتساؤل والتدقيق والنقد البناء لمواجهة تشكيك المشككين بدراية ومهارة ومنهجية.
ويرافق كل هذا نمو إنسان القلب والخلق والفكر فيه بالتوازي مع النظرة النقدية الثاقبة إلى حقائق الأمور وأبعادها والتدرب على الجانبين الرعائي العملي والعبادي التطبيقي للمعرفة اللاهوتية".
ولفت النظر الى ان" المعهد يؤمن للطالب مساحة حوار وتفاعل عصري من خلال إقامة مؤتمرات محلية وعالمية وندوات كنسية حول مواضيع آنية تناقش فيها سبل مقاربة واقع الإنسان في مجتمعات متعددة الثقافات والاتجاهات، ليتمكن الطالب من فهم حاجات الناس الحقيقية وكيفية الخدمة والتكرس لبناء الإنسان، وصون المجتمع وتلقيحه فكريا وروحيا بكلمة البشارة".
وشدد على ان المعهد" يسهم في نشر بشارة الإنجيل في العالم المعاصر بواسطة برامج التعلم اللاهوتي عن بعد التي تطل على من يهتم في الوطن والمـَهاجر بدراسة اللاهوت من مكانه سواء باللغة العربية أم بالإسبانية. كما ويشكل المعهد من خلال برامجه العديدة، ومنها برنامجي الماستر والدكتوراه، برنامج الدكتوراه الذي ينطلق هذا العام بزخم وقوّة، يشكل ورشة بحث علمي متواصل تساهم في تلبية حاجات الكنيسة الفكرية في عصرنا من خلال الدراسات الرعائية والبحوث اللاهوتية المتعددة الاختصاصات. فالكنيسة بحاجة ماسّة اليوم إلى البحث العلمي الرصين والدقيق، وإلى الجهد النقدي الخلاق، وإلى المنهجيات التنقيبية الناجعة، لا إلى اجترارٍ رخيصٍ لأفكار هذا أو ذاك من المفكرين".
وقال" من الناحية الاجتماعية والحياتية اليومية، فيأتي الجو العائلي الذي تؤمنه الأطر الليتورجية العبادية، مع المائدة المشتركة، والنشاطات اللاصفية المتنوعة، والخدمة اليومية، ليفتح أمام الطالب في المعهد باب العيش في "شركة أشخاص" بالمعنى الإنساني الأسمى، حيث تتوافر فرصة اللقاء بأناس من خلفيات مختلفة تجمعهم الشفافية في التعاطي والصدق في العمل. المعهد مختبر بل مشغل لمواهب الطلاب. الكل فيه يجدون المجال الحيوي ليعبروا عمّا لديهم من شوق أو مهارة أو معرفة، ما يساهم في بنيان الجماعة وعيش الوحدة الأنطاكية وصهرها".
وراى ان" كنيستنا الأنطاكية تتطلع إلى معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي كسراج موضوع على منارةٍ مشرقية تشع على العالم بكل علم أصيل، ومدرسة واضحة الاتجاهات متأسسة على وعي رسالة الكنيسة وهويتها. ذلك يعود إلى بركة صاحب الغبطة البطريرك يوحنا العاشر ورؤيته الحكيمة وإلى بركة آباء المجمع الأنطاكي المقدّس وإرشاداتهم النيرة لما فيه خير الكنيسة وبنيانها. فلطالما كان البلمند قلب أنطاكية النابض بالعلم والصلاة والفكر والبنيان، ولطالما كان معهدنا منهل العلم في الكنيسة".
وتطرق الى "أيامنا القلقة، حيث إن غير قليل من أسئلة العصر وتحدياته يقرع بقوة باب لاهوتنا الأرثوذكسي الباحث عن الإنسان والرامي إلى إحياء الشخص البشري بالروح القدس الرب المحيي، المحيي إلهيا، والمنيرِ ظلمةَ العالم بقوة الصليب وغلبته.
فماذا عسى اللاهوت الأرثوذكسي يقول لإنسان عصرنا المثقل بهموم الحياة، وقيم الاستهلاك، والشك، والمادية، واللامبالاة الدينية؟ نحتاج إلى لاهوت رعائي، إلى فكرٍ سامريٍ شفوقٍ ينحني على الطبيعة البشرية المهشمة بالحروب والنزاعات والفئوية والتعصب، لاهوتِ شفاءٍ يسكب زيتا على جراح إنساننا المعاصر ويرشده إلى ينابيع الراحة. نحتاج في زمن الاستهلاك والإعلام الرخيص لاهوتًا مستقيمًا عن قيمة الجسد، جسد الإنسان عطيةِ الله ومسكن مجده. نحتاج إلى لاهوت الجمال، الجمال الصادر عن استعلان علاقة الآب بالابن في الروح القدسِ في الخليقة التي تنفتح على النعمة فتستوعب النور وتنعتق وتتجلى. ولا يتخذ تعليمنا معناه إلا في لاهوت الشكران غايةِ الخليقة واكتمالِها في الروح القدس".
وشدد على ان" العالم اليوم متعطش إلى كلمة حياة ورسالة رجاء، وهذه لا يحملها إلى العالم سوى الأنقياء، أنقياء القلوب، الذين يعانقون الإنجيل ويضحون بالغالي والنفيس من أجل اتباع المسيح والالتصاق به. بشارة القيامة يحملها إلى العالم من تنقّوا بالتوبة الصادقة والصلاة الخاشعة والتمعن بحروف الإنجيل. ألا أعطانا الله هذه النعمة بصلوات القديسين وكل الذين يحبوننا ويحملوننا بأدعيتهم".
وختم بالقول" أريد منكم أن تتذكروا يا إخوتي أننا ههنا في مكان مقدس، مقدس بكل ما في الكلمة من معنى، وأن دعوتنا وخدمتنا ههنا مقدستان بنعمة الله وبعونه الكريم. لأن الكنيسة عقدت علينا آمالاً كبرى لنكون بالدراسة والعمل الدؤوب والالتجاء المستمر إلى الرب نورًا للعالم وملحًا للأرض".