رسالة غبطة بطريرك موسكو كيريل:
"أصحاب السيادة المحبوبون بالربّ المطارنة أعضاء المجمع الأرثوذكسيّ الأنطاكيّ المقدّس.
اليوم نتقدّم بالتكريم إلى الأكبر سنًا ومكانة في العالم الأرثوذكسيّ غبطة البطريرك إغناطيوس الرابع بطريرك أنطاكية العظمى وسائر المشرق.
حزن عميق وصادق اعترى قلوب رؤساء الكنائس والإكليروس والمؤمنين في كنيسة أنطاكية والكنائس الأرثوذكسيّة الأخرى، وهم الذين عرفوا غبطته وعايشوه، وهو الذي كان القائد الأكثر شهرة في العالم المسيحيّ المعاصر.
حاز غبطته رتبة مهمّة في أوساط كنسيّة واسعة نظرًا إلى عمق لاهوته وفكره، وإلى عمله المتفاني في نشر إنجيل المسيح.
حيثما مارس غبطة البطريرك إغناطيوس رسالته وخدمته الكهنوتيّة، إن في أسقفيّة بالميرا التاريخيّة أو في أبرشيّة اللاذقيّة، أو على عرش الرسولين بطرس وبولس، تحلّى بغيرة مثاليّة على الكرمة التي ائتمنه عليها الربّ يسوع المسيح. كنيسة أنطاكية الأرثوذكسيّة التي قادها هي منذ زمن بعيد أكبر كنيسة مسيحيّة في الشرق، وهي ما تزال عرين الأرثوذكسيّة في المنطقة. من هنا تعرف أنطاكية مدينة الله العظمى بعين الشرق وبوّابته.
بالنسبة إلى شعوب الشرق الأوسط، القرن العشرون كان زمن الاضطراب السياسيّ والاجتماعيّ، الذي بدّل الصورة الإثنيّة والإيمانيّة في المنطقة. التغيّر الاجتماعيّ أصاب أيضًا الجماعات الدينيّة، ومن ضمنها الكنيسة الأرثوذكسيّة في أنطاكية، وكان على كنيسة أنطاكية أن تعطي جوابًا واضحًا على تحدّيات المرحلة، ومنحها الربّ في هذه المحنة رئيسًا على شاكلة غبطة البطريرك إغناطيوس.
دافع غبطته عن مبادىء التعايش السلميّ بين ممثّلي الديانات المختلفة والثقافات المتنوّعة، وأسهم بشكل كبير في دعم قضيّة السلام في الشرق الأوسط، في حين وقعت الأرض المقدّسة في دوامة من العنف حدّدت تطوّر الحضارة الإنسانيّة.
تمثّل أهم إنجازات غبطة البطريرك إغناطيوس في تأسيس جامعة علميّة في دير سيّدة البلمند البطريركيّ، التي غدت صرحًا علميًّا مميّزًا في الشرق الأوسط.
لم يكن عبثًا اهتمام غبطته بتعليم الشبيبة على المستويين الدينيّ والروحيّ. في مطلع خدمته الكنسيّة أدّى دورًا فعّالاً في حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة التي نمت في لبنان وسورية، والتي منحت الكنيسة الأرثوذكسيّة في أنطاكية مصادر وحي جديدة.
في رئاسة غبطة البطريرك إغناطيوس، شُيّدت أديرة وكنائس جديدة عدّة في لبنان وسورية، كما أُعيدت إلى الحياة رهبانيّات قديمة، وانتشر التعليم الدينيّ على نطاق واسع.
اعتنى غبطة البطريرك بتطوير الرسالة المسيحيّة في مناطق الانتشار الأرثوذكسيّة. ملايين الأرثوذكس العرب الذين يعيشون في أوروبّا الغربيّة، وأميركا وأستراليا وجدوا ملجأ في رعايا الكنيسة الأنطاكيّة. وشكّلت هذه الرعايا مراكز روحيّة تجتذب آلاف ممثّلي الطوائف الأخرى.
الكنيسة الأنطاكيّة أدّت دورًا مهمًّا في حياة الأرثوذكسيّة العالميّة، مازجة الإيمان إلى التقليد الروحيّ، والقدرة على الشهادة للمسيح بلغة يفهمها شعبنا اليوم. واكتسبت الكنيسة خبرة كبيرة في التواصل الأخويّ والتعاون مع الكنائس الأرثوذكسيّة المحلّيّة.
لا أستطيع إلاّ التعبير عن العلاقات الخاصّة بين كنيسة أنطاكية وبطريركيّة موسكو. كانت علاقاتنا، منذ زمن بعيد، وثيقة وتقوّت أكثر في عهد غبطة البطريرك إغناطيوس. وهو الذي حلّ ضيفًا على الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة في مناسبات عدّة. وعرفه المؤمنون في كنيستنا جيّدًا وأحبّوه بإخلاص، وثمّنوا عاليًا عمله في خدمة السلام ومساهمته في توطيد الوحدة الأرثوذكسيّة.
في ما يتعلّق بي فقد عرفت غبطته شخصيًّا منذ سنوات عديدة. وبحرارة خاصّة أتذكّر لقاءاتنا مؤخّرًا في لبنان وسورية، وضيافته ومحبّته الأخويّة. وأؤمن بأنّ الله الرحيم سيستجيب لصلوات خادمه الأمين.
لتبتهج روح غبطة البطريرك إغناطيوس بالربّ يسوع المسيح، وليمنحه الربّ راحة أبديّة ويسكنه في مساكن النور الإلهيّ".